لابد من الإشادة بالمبادرة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله - لتسوية القروض المتعثرة التي تقل عن خمسة ملايين درهم. حيث تشمل هذه المبادرة 368 مواطناً يصل مجموع ديونهم لـ 568 مليون درهم. والجدير بالذكر أنها تعتبر المرحلة الثانية من برنامج تسوية القروض الخاص برئيس الدولة في حين أن المرحلة الأولى شملت ذوي القروض المتعثرة التي تقل عن مليون درهم. ومما لاشك فيه أن المبادرة الكريمة لرئيس الدولة، قد رفعت الكرب عن المستفيدين وعائلاتهم أيضاً. وهي بمثابة تذكير بأن العلاقة الحميمة بين القيادة والشعب لا تزال تزداد دفئاً مع نمو الدولة وازدياد عدد المواطنين. ولكن يجب علينا أن نتساءل كيف نستفيد من هذه المبادرة؟ وكيف نضمن تعلم الدرس؟ فالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع المستفيدون من مبادرة التسوية الوصول إلى هذه المرحلة أساساً؟ هل كان السبب عدم قدرة الأفراد على إدارة مواردهم ومصاريفهم الشخصية؟ هل كان تأثراً بثقافة استهلاكية؟ هل كان بسبب ضعف التشريعات المصرفية؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابة شافية، وقد نجد الإجابة إذا قمنا بدراسة اقتصادية-اجتماعية تقوم بمقابلة المستفيدين الـ 368 واستيضاح ظروفهم وقراراتهم التي أدت بهم إلى الاقتراض والتعثر في السداد. ثم تُرفع نتائج هذه الدراسة إلى الجهات المعنية مثل وزارة الاقتصاد والبنك المركزي وذلك لتؤخذ بعين الاعتبار وقت سن تشريعات أو أخذ قرارات جديدة بخصوص القطاع المصرفي. يقول لي أحد الأصدقاء إن أحد معارفه، والذي كان ممن شملتهم المرحلة الأولى من المبادرة تلقى الخبر من مصرفه الذي عرض عليه في الاتصال ذاته قرضاً جديداً بنفس قيمة القرض السابق. هذه الممارسات تكاد تضمن أن الحكومة ستضطر للقيام بالمبادرة ذاتها خلال بضع سنين، ما لم يتم تغيير جذري في سياسات الإقراض لدى المصارف في الدولة، وفي قيم الادخار في المجتمع، فإن قيم الاقتراض غير المسؤولة ستتأصل في أفراده. إن لم نستطع أن نخرج من هذه الدائرة المفرغة، فإننا نقوم بهدر مالٍ عام، يمكن أن يستغل في إقامة مشاريع تنموية ذات مردود اقتصادي واجتماعي مستدام. لذا فإننا حكومةً ومجتمعاً مطالبون بالاستجابة للمبادرة الكريمة التي طرحها رئيس الدولة، والتي جاءت في وقتها والبناء عليها - بمبادرات، وقرارات، وتشريعات - لكي تمثل نقطة تحول في تحمل الفرد لمسؤوليته كعضو فعال في المجتمع من جهة وتحلي القطاع المصرفي بدرجةٍ أعلى من المسؤولية المجتمعية والوطنية من جهة أخرى. وفي ما يلي بعض المقترحات: 1) حملة مشتركة ما بين المجلس الوطني للإعلام ووزارة الشؤون الاجتماعية تهدف لنشر ثقافة الادخار والاقتراض المسؤول ونبذ الممارسات الاستهلاكية التي انتشرت مؤخراً في المجتمع. 2) حملة مشتركة ما بين وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي وجمعية الإمارات لحقوق المستهلك تقوم بإلزام المصارف بتوفير كتيبات - مطبوعة من قبل الحملة - حول حقوق العميل ونصائح خاصة بالاقتراض المسؤول لكل عميل. 3) قيام المصرف المركزي بإصدار قرارات تمنع المصارف من إقراض المواطنين (ذوي الدخل المحدود على الأقل) من دون أي ضمان فعلي كعقار أو أسهم... إلخ. 4) قيام مكتب الائتمان الاتحادي - متى ما انتهى من جمع معلوماته - بإلزام المصارف بعرض نسب فائدة عالية غير تنافسية على من لهم قروض متعثرة في السابق وذلك لإرغامهم على الإحجام عن الاقتراض الاستهلاكي. كما أن هذا سيشكل رادعاً لأصحاب السجلات المصرفية الجيدة (غير المتعثرة) للحفاظ عليها. 5) إعادة النظر في الشق الجنائي لجريمة الشيك المرتد، الأمر الذي سيجبر المصارف تلقائياً إلى اتباع سياسة إقراض مسؤولة أكثر حيث إنها تزيل الضمان الفعلي من وجهة نظر المصرف وهو يقينه أنّ ذوي المقترض وربما بعض أصدقائه المقربين أيضاً سيهبون لنجدته ويقومون بتسوية التزاماته لإخراجه من السجن. كحكومة ومجتمع نحن أمام فرصة لجعل المبادرة الكريمة من رئيس الدولة - حفظه الله - لتسوية ديون المواطنين المتعثرة نقطة تحول في سلوكنا نحو الاقتراض غير المسؤول، ويجب احتراماً لمقام صاحب هذه المبادرة، ومن منطلق المسؤولية الوطنية، أن لا نضيعها.